|
يقولون من شابه أباه فما ظلم، وهذه حقيقة لا جدال فيها، فالشخص مرآة أبيه لما له من تأثير قوي على تكوينه منذ الصغر؛ حيث يعتبره الطفل المثل الأعلى له مما يجعله يقلد كل كبيرة وصغيرة يفعلها الأب حتى يصبح نسخة مستنسخة منه بمميزاته وعيوبه.
وأحيانا يعاني الشخص من مشكلات كثيرة يلحظها الآخرون عليه وهو آخر من يعلم، ولا يصدق من يقول له أنك كذا وكذا، لذا اقترح الخبراء النظر بعمق إلى شخصية الأب حتى يمكن للشخص اكتشاف ما لديه من عيوب ومشكلات فيقومها، وما لديه من مميزات فيدعمها وهذا مصدر محايد موثوق به.
ما التأثير النفسي وراء علاقة الأب بابنه؟
بالطبع نتعلم الكثير من آبائنا، ونتعلق بهم حتى نتقدم في العمر، فقد قام الدكتور (دي تشارلز وليامز) بتصنيف خمس مراحل متوقعة يمكن أن تظهر للأبناء وتتعلق بآبائهم على مدار الحياة وكأنها انعكاس لنفس الصورة في المرآة وتتلخص فيما يلي:-
– الإعجاب المفرط: في مرحلة الطفولة ينظر الطفل إلى أبيه على أنه نموذج لا يقهر، وشخص قادر على تحقيق كل ما يحلم به.
– التنافر: تظهر هذه المرحلة خلال سنوات المراهقة التي يميل الطفل فيها إلى العصيان وعدم الرغبة في أن يتشابه مع أبيه في أي شيء.
– التطور: يبدأ الفرد في التطور خلال الفترة المبكرة من البلوغ حيث تتحول حالة الاختلاف أو الازدراء إلى شيء أكثر وهو المنافسة.
– القبول: ينشأ قبول الفرد لأبيه في سن يتراوح بين 30 و40 عاماً عندما يتخلص من كل الذكريات الأليمة نحو الوالد ويعترف بما لدى والده من سمات إيجابية، فيظهر نوع من الصداقة بينهما.
– الإرث: في فترة الخمسينات من العمر يدرك الشخص أنه نموذج مستنسخ من أبيه يسير على الأرض؛ حيث تنبعث جميع الصفات التي كان يقومها في شبابه وينتقدها ويسير على نفس الخطوات تقريبا كما كان يفعل الأب وهذا بدون قصد أو تخطيط إنما هي الطبيعة الإلهية.
بالتأكيد لا تتشابه خبرات الأشخاص بعضهم البعض، ولا يمكن ربطها بتركيبة معينة، لكن يؤمن الخبراء أن البحث من أجل الفهم شيء شائع لدى جميع الأبناء، سواء نشأت في أسرة مثالية أو بدون أب حيث يشمل جزء من ذلك تفهم من يكون أبيك.
الآباء بشر أيضا:-
لا يمكن التوصل إلى حقيقة الأب بمجرد النظر إليه من وجهة واحدة، إنما بمعرفة الأوجه المختلفة لشخصيته، ليس ككونه والداً فقط إنما كشخص عادي لابد أن نتوغل داخل أعماقه حتى يسهل علينا التواصل معه والتقرب إليه، وهذه أسهل وأعظم طريقة لتحقيق ذلك.
نحن كبالغين نكتسب التبصر وفهم آبائنا ليس كآباء فقط ولكن كأشخاص، ففهم كيف أصبح والدك كما هو يمدك بالوضوح، وجهة النظر والاحترام، لذلك عليك أن تأخذ بعض الوقت حتى تتعرف على والدك حقا، ويمكن أن تسمح له بسرد بعض القصص عن حياته وسؤاله أسئلة تساعده على بناء صورة أكبر للرجل الموجود بداخله.
– للتواصل مع والدك هنا بعض الأفكار البناءة لتحقيق ذلك:-
1- اكتب له بعض الأسئلة التي تريد طرحها عليه على مدار عدة زيارات، فمثلا يمكنك أن تسأله عن أهم المباديء التي جذبته إلى والدتك أو قصة لقائهما.
2- اقترب من مجال تخصص والدك، كأن تسأله أسئلة عن أشياء لديه اهتمام بها أو أصبح ماهرا بها، ويمكن أن تبدأ بأسئلة مثل: “كيف تعلمت أن…؟” أو “هل يمكن أن تريني كيف تفعل…؟”.
3- نشط ذاكرته مستخدما بعض منشطات الذاكرة ومنها:-
– بعض قطع الموسيقى التي كان يفضلها.
– مشاهدة فيلم يحبه.
– تقديم كتاب يستمتع بقراءته.
– عرض بعض الصور العائلية.
– بعض الأعمال الفنية بالمنزل.
4- تحدث مع أشخاص يعرفهم وكان له تاريخ معهم مثل أمك، أعمامك حيث يمكنك أن تسألهم عنه، حتى تتعرف منهم لماذا يتصرف على نحو معين؟، وعما إذا كان هناك شيء قد ساعد على تشكيل شخصيته عندما كان شابا؟
5- اخلق بعض الجذور حيث تساعدك شجرة العائلة على الاقتراب من معرفة شخصية والدك وكيف يتواصل مع الآخرين، كما يمكن أن تحفزه على ملء بعض الأماكن الفارغة في شجرة العائلة واسأله عن الاخرين بها.
معروف عن العلاقة الأبوية أنها من أكثر الوظائف صعوبة وتحدياً على الإطلاق، وهذا صحيح، إذن فكيف لنا كبالغين التواصل مع آبائنا؟
لن يتحقق هذا التواصل بطرق مباشرة، ولكن من خلال ما نبذل من مجهود للتعرف على شخصيتهم، لذلك خذ بعض الوقت وحاول معرفة شخصية والدك وتأكد من سماته التي انطبعت عليك من خلال الطريقة التي تعامل أطفالك بها.