|
فِي قَدِيمِ الزَّمانِ وسَالِفُ الْعَصْرِ والْأوَانَ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اِسْمُهُ زَهْرَانِ يحب الْفُسْحَةُ عَلَى ظَهْرٍ حِصَانِ، و فِي يَوْمِ مِنْ الْأيَّامِ قَرَّرَ زَهْرَانِ أَنَّ يَمْتَطِيَ ظَهْرَ حِصَانُهُ رَعْوَانِ ، لِيَقُومُ بِفُسْحَةِ تَجْلُبُ لَهُ السَّعَادَةَ و الْأمَانِ ، مُسْتَبْشِرُ فَرْحَانُ ، مُسْتَمْتِعَ بِالْمَنَاظِرِ الْخِلابَةِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي يراها فِي كُلُّ مَكَانِ
لَاحَظَ كَلْبُهُ ” مَيْرَانِ ” أَنَّ الطَّقْسَ غَيْرَ مُنَاسِبُ لِهَذِهِ الْفُسْحَةِ ، و أَحِسَّ بِكَوْنِهِ سَيَتَغَيَّرُ ، فَقَرَّرَ ” مَيْرَانِ ” أَنَّ يَتْبَعَ ” زَهْرَانِ ” فِي فُسْحَتِهِ ، فَحَتَّى الْحِصَانِ ” رَعْوَانِ ” هُوَ الْآخَرُ أَحِسَّ أَنَّ الْجَوَّ غَيْرَ مُنَاسِبُ وَسَيَنْقَلِبُ
وَضْعُ زَهْرَانِ السَّرْجِ عَلَى ظَهْرِ ا لِحِصَانِ رَعْوَانِ عِدَّةِ مَرَّاتٍ ، و كَانَ رَعْوَانِ يَتَحَرَّكَ كَثِيرَا عَلَى غَيْرَ عَادَتَهُ ، فَغَضَبَ زَهْرَانِ مِنْه و سَأَلَهُ و هُوَ حِيرانٌ : مَا بِكَ تَتَنَصَّلُ و كَأَنَّكَ لَا تُرِيدُ الذَّهَابَ لِلْفُسْحَةِ يا رَعْوَانِ ؟ أَلَا تُرى أَنَّ الطَّقْسَ جَمِيلَ و مُنَاسِبَ لِلْفُسْحَةِ
فَعلا ، كَانَ الطَّقْسُ فِي الْبِدَايَةِ جَمِيلَا جِدَا وَلَا يَمُّكُنَّ لِأَحُدُّ التنبأ بِمَا سَيَحْدُثُ مِنْ تَغْيِيرٍ ، لَكِنَّ زَهْرَانِ أَصِرَّ عَلَى الذَّهَابِ لِهَذِهِ الْفُسْحَةِ و اِمْتَطَى ظَهِرِ حِصَانُهُ و اخذ الطَّرِيقَ و تَبِعَهُمَا الْكَلْبَ مَيْرَانِ دُونَ عِلْمُ سَيِّدُهُ زَهْرَانِ ، وَبَعْدَ ان قَطَعُوا مَسَافَةَ أَمْيَالِ و أَمْيَالٌ ، ظَهَرْتِ فَجْأَةَ فِي السَّمَاءِ غَيُومَا سَوْداءُ مُخِيفَةٍ ، فَأَحَسَّ الْحِصَانُ بِالْخَطَرِ
كَانَ الطَّرِيقُ طَوِيلَا و مُلْتَوِيًا و فِيه مَسَالِكُ وَعْرَةٍ ، وَلَمْ يَعْدُ زَهْرَانِ يَعْرُفُ أَيْنَ هُوَ ، بَلْ لَمْ يَعْدُ يَتَحَكَّمْ حَتَّى فِي حِصَانِهِ الَّذِي اِزْدادَ ذُعْرًا ، وَسُرْعَانَ مَا تَغَيَّرَ وَجْهُ السَّمَاءِ فَأَرْعَدْتِ ، وَأَبْرَقْتِ ، وَنَزَلَ الْمَطَرُ مُنْهَمِرًا بِشِدَّةٍ ، فَضَاعَ الْحِصَانُ رَعْوَانِ و ضَاعَ زَهْرَانِ فِي الْغَابَةِ الْجَبَلِيَّةِ و بَقِيَ الْكَلْبُ مَيْرَانِ يَبْحَثْ عَنْهُمَا
زَهْرَانِ تَائِهِ فِي الْغَابَةِ ، و قَدْ اِنْتَابَهُ الْقَلَقَ و أَخَذَ يَسْأَلَ نَفْسُه : أَيْنَ أَنَا ياترى ؟
وَمَاذَا سيكون مَصِيرَي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ و أَنَا تَائِهُ حِيرانٍ ، فِي هَذِهِ الْغَابَةُ الْجَبَلِيَّةُ الْمُخِيفَةُ ؟
وَقْتُهَا فَهِمَ لِماذا تَمَلُّصُ الْحِصَانِ مِنْ الذَّهَابِ ، و نَدَمَ عَنْ خُرُوجِهِ لِهَذِهِ الْفُسْحَةِ و كَانَ يُرِيدُ الْعَوْدَةَ ، لَكِنَّ لَمْ يَعْدُ يَعْرُفْ الطَّرِيقُ فَصَمَّمَ عَلَى أَنْ يَكُونُ بَطَلَا و أَنْ لَا يَسْتَسْلِمُ لِلْهَزِيمَةِ ، فَصَعِدَ بِمَشَقَّةِ إِلَى جَبَلٍ فِي الْغَابَةِ ، وَاِحْتَمَى بِنَفْسُه تَحْتَ صَخِرَةِ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ الْمُنْهَمِرِ ، وَقْتُهَا أَحَسَّ بِأَنَّه فِي مَأْزِقِ قَدْ يَصْعُبَ الْخُرُوجُ مِنْه
و بَقِّيِ يُفَكَّرُ فِي حِصَانِهِ الَّذِي تَرَكَهُ تَائِهًا فِي الْغَابَةِ الْجَبَلِيَّةِ يُوَاجَهُ مَصِيرُهُ بِنَفْسِهِ و لَا يَدْرِيَ أَيْنَ ذَهَبَ و لَمْ يَعْدُ يُفَكِّرُ إلّا فِي نَفْسُه ، خَاصَّةَ و أَنَّه رَغْمُ وَحْشَةُ الْمَكَانِ و ظُلْمَتَهُ و رَغْمُ الْبَرْقِ و الرَّعْدَ فَقَدْ هَيَّأَ نَفْسُه لِمُوَاجَهَةِ أَيُّ مَخَاطِرِ قَدْ تَنْتَظِرُهُ
فَبَدَأْتِ أَعْصَابَهُ تَتَوَتَّرْ عَنْدَمًا سَمِعَ زَفيرُ الرِّياحِ الْقَوِيَّةَ و صَوْتُ الرَّعْدِ الْمُخِيفِ و أَصْوَاتُ الذِّئابِ و هِي تَعْوِي
و بَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ ، إِذْ بِذِئْبِ مُتَوَحِّشِ يُرِيدُ الْاِقْتِرابُ مِنْه ، فَفَكَّرَ فِي تَغْيِيرِ الْمَكَانِ لِيَتَخَلَّصُ مِنْ هَذَا اللَّعِينِ الَّذِي يُرِيدُ اِفْتِراسُهُ و اخذ بِيَدِيِهُ حُزْمَةِ مِنْ الْقَشِّ و الْحَطَبُ الْيَابِسُ و أَوََقَدَّ فِيه نَارًا جَعَلَتْ الذِّئْبَ يَفِرُّ كَالْْجَبَانِ و فَجْأَةُ قَفَزَ زَهْرَانِ إِلَى أَعَلَى الْجَبَلِ و ظَلَّ يُرَاقِبَ الْمَكَانُ وماهي إلّا لَحْظَاتٍ حَتَّى رَأَى مِنْ بَعيدِ كَلْبِهِ الْأُمَّيْنِ مَيْرَانِ فِي حالَةِ رَثَّةٍ يَجْرِي وَمَعَه الْحِصَانَ رَعْوَانِ الَّذِي أَنْهَكَهُ التَّعِبَ
تَقَدُّمَ الْكَلْبُ مَيْرَانِ لِصَدِيقِهِ زَهْرَانِ الَّذِي ظَلَّ يَبْحَثُ عَنْه و قَالَ لَهُ : لَقَدْ جِئْتَكَ برعوان ، وجدتُهُ تَائِهًا فِي الْمَسَالِكِ الْوَعْرَةِ و انقذته مِنْ شِرْذِمَةِ الذِّئابِ الَّذِينَ كَانُوا بِصَدَدِ مهاجمنه
قَالَ زَهْرَانِ : و لَكِنْ كَيْفَ وَصَلْتِ إِلَى هُنَا يا مَيْرَانِ يا كَلْبِي الْوَفِيِّ ؟
قَالَ الْكَلْبُ : لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الطَّقْسَ سَيَتَغَيَّرُ بِحُكْمِ حاسَّةِ الشَّمِّ الْقَوِيَّةَ فَاِتَّبَعَتْ الْحِصَانَ رَعْوَانِ و أَنْتَ فَوْقَ ظَهِرِهِ
رَدُّ عَلَيه زَهْرَانِ : حَقَّا اِنْكِ كَلْبَ وَفِي و ذَكِيٌّ ، فَلَوْلاَكَ لِبَقِيتِ فِي هَذَا الْجَبَلُ اِبْحَثْ عَنْ حَصَانِيِ و قَدْ أَجِدُهُ مِيتَا بَعْدَ أَنَّ تُمَزِّقَهُ الذِّئابَ و تَأْكُلُهُ
فَأَلِفَ شُكْرُ يا مَيْرَانِ ، اِنْكِ تَعَرُّفَ أَنَنِي لَا يُمْكِنُ لِي الْعَوْدَةَ بِدونِ حَصَانِيِ الَّذِي عَانَى بِسَبَبِيِ
و أَنْ سَلاَمَتَنَا تَعُودُ بِفَضْلِكَ أَنْتَ يا مَيْرَانِ
صَعِدَ زَهْرَانِ عَلَى ظَهِرِ حِصَانِهِ رَعْوَانِ مَرَّةً أُخْرَى ، وَعَادِ مَنْ حَيْثُ أَتَى و الْكَلْبُ يَدْلُهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْدَةِ بَعْدَ فُسْحَةَ كَانَتْ شَاقَّةُ و غَيْرَ مُرِيحَةٌ ، مَحْفُوفَةَ بِالْمَخَاطِرِ
هَكَذَا يا صَغَارُ تَنْتَهِي الْقِصَّةَ الَّتِي فِيهَا عَبْرُ وَهِي تُبَيَّنُ لَكُمْ أَنْ الْكَلْبَ مَيْرَانِ كَانَ وَفِيَّا لِصَاحِبِهِ زَهْرَانِ و لِحِصَانِهِ رَعْوَانِ