|
صحة وغذاء /
طور علماء فيروسات هولنديون فيروسات عدوانية شديدة العدوى، في خطوة ينتظر أن تسبب جدلا واسعاً، وأشارت تقارير صحافية إلى أن العالم فوشيير الذي طور كائنا حيا جديدا سيمثل أمام لجنة من الخبراء لشرح تجاربه.
ففي خطوة ينتظر أن تتسبب في إثارة زوبعة من الجدل، قام مؤخراً علماء فيروسات هولنديون بتطوير فيروسات أنفلونزا عدوانية للغاية وشديدة العدوى، وهي العملية التي أثارت نقاشاً محتدماً بشأن مخاطر الإرهابي البيولوجي والإطلاق المحتمل للفيروسات المميتة.
ولفتت في هذا السياق مجلة "دير شبيغل" الألمانية إلى الجهد الذي يقوم به عالم الفيروسات، رون فوشيير، في الطابق السابع عشر بمركز اراسموس الطبي بمدينة روتردام الهولندية، حيث يستعين بأساليب فرع من فروع الأبحاث يتسم بتطوره وطبيعته الجدلية في ذات الوقت. وهي الأساليب التي تقوم بموجبها البيولوجيا الاصطناعية بتوظيف تلاعب مستهدف عبر الهندسة الوراثية لتطوير كائنات حية جديدة.
ومن المنتظر أن يمثل فوشيير هذا الأسبوع أمام لجنة دولية من الخبراء في المقر الخاص بمنظمة الصحة العالمية لشرح تجاربه، بعدما تسببت نظريته البحثية في دق ناقوس الخطر داخل المنظمة. وتابعت المجلة بقولها إن فوشيير نجح في جذب الأنظار إليه بشكل كبير، بعدما تمكن من تطوير كائن حي جديد. ورغم الحجم بالغ الصغر لهذا الكائن، إلا أنه وإن نجح في الخروج من المختبر، فإنه سيتسبب في حدوث وفيات يزيد عددها عما يمكن أن يحدثه انفجار مفاعل من المفاعلات النووية.
وهذا الفيروس القاتل عبارة عن طفرة جديدة من فيروس أنفلونزا الطيور الذي يعرف اختصاراً بـ H5N1. ولم ينتقل بعد هذا الفيروس، الذي يقتل واحداً من بين كل اثنين يصابون به، من إنسان لآخر. وقد أصيب حتى الآن عدد صغير نسبياً من الأشخاص بهذا الفيروس عن طريق الدواجن، وتوفي نتيجة الإصابة به 336 شخصاً.
وعلى مدار سنوات، ظلت المخاوف مهيمنة على الخبراء من إمكانية أن يتحول عما قريب هذا الفيروس القابل للتكيف من مجرد قاتل للطيور إلى تهديد شديد العدوى بالنسبة للإنسان. لكن مع مرور السنوات وعدم حدوث ذلك السيناريو، بدأ يأمل كثيرون في ألا تكون هناك إمكانية لحدوث أمر كهذا، وبدأت تهدأ بعض المخاوف بالفعل. غير أن التجارب التي يقوم بها فوشيير الآن أعطت المجتمع البحثي جرس إنذار. فقد قام العالم بتلاعبات محدودة بالمادة الوراثية لفيروس H5N1 العادي، ولجعل الفيروس أكثر خطورة، قام مراراً وتكراراً بنقله من حيوان مختبري إلى آخر.
وفي معرض حديثه عن ذلك، قال الباحث الهولندي :" وفي النهاية، بات الفيروس محمولاً في الجو". وقد انبهر كثير من العلماء بعد الإعلان في ذات الوقت تقرياً عن نجاح فريق بحثي آخر في تطوير فيروس أنفلونزا طيور يمكن نقله عبر رذاذ تنفسي محمول جواً. وهو ما تحقق بعد قيام عالم الفيروسات، يوشيهيرو كاواووكا، من جامعة ويسكونسن، بدمج فيروس أنفلونزا الطيور مع فيروس أنفلونزا الخنازير. واتسم الفيروس المطور حديثاً بكونه شديد العدوى، رغم أنه لم يكن خطيراً بشكل محدد على القوارض التي استعان بها العالم كاواووكا في تجاربه البحثية.
وقد انتظر المجتمع العلمي بشغف لمعرفة تفاصيل التجربتين. غير أن المقالتين البحثيتين الخاصتين بالتجربتين لم يتم نشرها في مجلتي "الطبيعة" و"العلوم". وأفادت دير شبيغل بأن مسؤولين من المجلس الاستشاري الوطني للعلوم من أجل السلامة البيولوجية طلبوا من مسؤولي التحرير بالمجلتين عدم نشر المقالتين، بسبب مخاوف من احتمالية استخدام فيروسات أنفلونزا الطيور الجديدة كأسلحة بيولوجية.
وهو الأمر الذي أسفر عن حدوث صِدام بين فريقين، هما علماء الفيروسات، من جهة، حيث يرون أن وكالات مراقبة الإرهاب البيولوجي مصابة بجنون العظمة، وخبراء الإرهاب، من جهة أخرى، وهم يشعرون أن العلماء ليسوا سوى أشخاص سذج.
وتابعت دير شبيغل حديثها بالقول إن الرقابة التي فرضها مسؤولو المجلس الاستشاري الوطني للعلوم من أجل السلامة البيولوجية جاءت بمثابة الصدمة لمعظم باحثي الأنفلونزا. ونقلت في هذا الصدد عن هانز- دايتر كلينك، خبير الأنفلونزا في مدينة ماربيرغ الألمانية، قوله :" لم يسبق لي أن شاهدت أمر كهذا". فيما قال زميله ستيفن لودويغ، عالم الفيروسات بجامعة مونستر في شمال غرب ألمانيا، إن تلك الخطوة تشكل تهديداً على الحرية العلمية. وأضاف في نفس الصدد :" لقد فُتِح الباب هنا على مصراعيه، ولن يكون من السهولة بمكان إغلاقه مرة أخرى". فيما حاول مايكل أوسترهولم، أبرز الأعضاء المسؤولين بالمجلس الاستشاري الوطني للعلوم من أجل السلامة البيولوجية، أن يتصدى لوجهات النظر التي تسير في هذا الاتجاه، مؤكداً أن المسألة متعلقة فحسب بتوقيت وآلية إجراء تجارب كهذه.
وشدد أوسترهولم كذلك على أنه واثق من أنه يحظى بتأييد من أرفع المستويات داخل الحكومة الأميركية. وفي الوقت الذي مازالت تتواصل فيه الجهود بحثاً عن أفضل الحلول التي يمكن من خلالها مواجهة الفرص والتحديات التي يمكن أن تتمخض عن تلك المحاولات البحثية، مازال العلماء منقسمين بشدة بشأن طبيعة تلك الحلول.
ولا تزال القضية المتعلقة بضوابط وآليات تنظيم مثل هذه التجارب موضعاً للنقاش والاختلاف بين العلماء والمنظمات والحكومات. ومع هذا، يبدو أن شعوراً بعدم الارتياح مازال يهيمن على السلطات الأمنية خشية ما يمكن أن يحدث في حال خروج مثل هذه الفيروسات القاتلة من المختبرات وحجم الخسائر التي قد تحدث في صفوف البشر.