|
في البداية ينبغي أن نعرف ما هو المقصود بالصحة النفسية،.. إن جدلا يدور بين أنصار الوقاية وأنصار العلاج وبين أصحاب نظرية الوراثة او نظرية البيئة في تحديد مفهوم الصحة النفسية ولكن الدافع يؤكد أن النظرية الموضوعية للفرد هي الكل لا الجزئيات، فالإنسان وحدة متكاملة من جسد ونفس، وقاية وعلاج ومن تأثير وراثي إلى جانب عوامل بيئية. فالنظرية التكاملية ترى أن مفهوم التكامل للصحة النفسية يمكن أن يجمع بين التعريفات التالية :
الصحة النفسية هي قدرة الفرد على التعلم على المواقف التي تجابهه في الحياة ونلاحظ إن هذه التعاريف تدور في إطار الذكاء والتفكير، مما يدل على أن عامل الوراثة والبيئة صنوان متلازمان لا ينفصلان ومن الصعب أن نحصل على فرد يتمتع بنوع مناسب من الصحة النفسية دون تأثير هاذين العاملين، كما نلاحظ أن دور الوقاية يطغى على دور العلاج وفي مفهوم الطب النفسي حسب تعريف هيئة الصحة العالمية فإن الصحة النفسية هي خلو الفرد من أعراض المرض العقلي أو النفسي ولكن نجد أن خلو الفرد من المرض العقلي أو النفسي لا يعني وحده كمال الصحة النفسية لأن العلاقات الاجتماعية ودرجة السواء عوامل أساسية وبهذا يصبح التعريف أكثر شمولية عندما نقول إن الصحة النفسية ليست خلو الفرد من المرض العقلي أو النفسي فقط وأنما هي فوق ذلك حالة من الاكمال الجسمي والنفسي والاجتماعي لدى الفرد أي وجود تناسق بين الجوانب الجسمية والنفسية والاجتماعية في الفرد، أي البعد الثالث في مثلث الشخصية.
يتبين مما سبق ذكره أن الصحة النفسية هي القدرة على التوافق أو التكيف بين هذه العوامل المختلفة.
إن حاجات الإنسان المادية والروحية جعلته يستغل قدراته العقلية واليدوية في استخدام موارد بيئيه من المواد الخام وتطويعها لإشباع هذه المطالب وهذا يوضح أن سلوك الإنسان هو ردود فعل لمطالبه. فالسلوك الإنساني هو مجموعة من ردود الأفعال لمجموعة من المطالب التي يحتاج إليها الفرد أو الضغوط الاجتماعية التي ينبغي أن يواجهها فالفرد في مراحل حياته المختلفة وهو مطالب بالقيام بأدوار اجتماعية وهذه الأدوار الاجتماعية تمثل ضغوطاً ينبغي على الفرد أن يتحملها ويقوم بتحقيقها، فتوقعات المجتمع من الفرد في طفولته وحياته ومراهقته ورجولته وشيخوخته تختلف عن توقعات المجتمع منه في دوره كأب لأسرة وكصديق لجماعته وكعامل في مؤسسة وكواحد في مجموعة وكمواطن في دولته، عدة أنماط من الضغوط عليه أن يتعايش معها بالصورة السوية والسليمة التي تساعده في الظهور بالسلوك الاجتماعي المعقول.
ويتلخص الأمر في أن عملية التوافق والتكيف عملية ديناميكية تفاعله فيها مستمر ويهدف إلى تغيير وتبديل وتحوير سلوك الفرد من خلال المجتمع لإحداث توازن أو علاقة سوية ذاتياً واجتماعيا.
وهو المحاولة الطبيعية بين الدوافع الخاصة وبين الظروف الاجتماعية المتعارضة مع هذه الدوافع بحيث يكون تحقيق هذه الدوافع سلوكاً مقبولاً لدى الجميع في وقت واحد لا يحدث الصراع النفسي الداخلي والذي قد يطفو على السطح ويؤثر على سلوكه العام ولهذا النوع من التكيف مستلزمات:
وهذا يرمز إلى قدرة الفرد على العيش السوي في بيئته الخارجية المادية والاجتماعية والطبيعية، ونعني بالمادية ما يحيط بنا من عوامل مادية كالسكن والمركبات العامة والأجهزة الإلكترونية (الآلات) وإشارات المرور… الخ أما البيئة الاجتماعية فترمز إلى القيم والتقاليد والمعتقدات الدينية والصلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والآمال الخاصة والأهداف العامة.
وبما أن البيئة الطبيعية في عالم اليوم متغيرة نتيجة سرعة خطى العصر، فالفرد مطالب بأن يكون قادراً على مواكبة هذا التغيير بما يتناسب من سلوك نتيجة المشكلات المستجدة من كثرة التفكير والانفعال والقلق والتوتر والإنسان مطالب بتعديل سلوكه وتطويع رغباته بحيث تتماشى ومسار القيم الاجتماعية والأخلاقية والتكيف الاجتماعي لا يعني الانسياق وراء إرضاء البيئة الفاسدة أو التصدي أمام البيئة المعارضة في الرأي أو المسلك وإنما القدرة على مراجعة النفس واستعمال العقل وإتباع الضمير بما يرضي النفس والواقع والمجتمع لأن العجز عن التكيف يعني الإضرار بالصحة النفسية والجسدية والخضوع للبيئة المادية غير الصالحة يقود إلى نفس النتيجة فلا إفراط ولا تفريط.
هذه التغييرات الفسيولوجية اللاإرادية تحدث داخل وظائف الجسم دون تدخل الإنسان شعورياً ولا شعورياً كزيادة إفراز العرق عند الخوف أو ضمور العضلات في حالات الشلل العضوي.
التكيف النفسي يعني حدوث توازن بين الحاجات النفسية والقدرة على إشباعها ويحدث هذا بعدة وسائل:
لقد قال سقراط إن من مبادئ الصحة النفسية (أعرف نفسك) ويؤكد خبراء الصحة النفسية أن السعادة تنبع من الداخل ثم تتدفق إلى الخارج لتروي البيئة الخارجية الصالحة.
حتى نكون خلفية نستخلص منها الأسس النفسية الأولية في تنشئة الطفل لا بد من أن نلقي الضوء على الاضطرابات النفسية التي تعطي فكرة مبسطة ضرورية في فهم أبعاد الحلول المطروحة في هذا البحث بحيث يصعب تحديد سبب واحد لمظاهر هذه الاضطرابات ولكن يمكن تلخيص هذه الأسباب في عاملين:
إن الطفل لا يملك القدرة على التعبير عن مشاكله النفسية وقد لا يعي هذه المشاكل وكثيراً ما تحاول الأسرة تبسيط الأعراض المرضية أو التقليل من شأنها لسبب او لآخر ولذلك من المهم معرفة نفسية الوالدين والإجابة على السؤال لماذا هذا الطفل بالذات دون غيره؟ ولهذه المشكلة بالذات دون غيرها ؟وبهذه الصورة بالذات وفي هذا الوقت؟حتى نلم بكل مداخل المشكلة.
إننا في مجال الأمراض الباطنية نقيس درجة حرارة الطفل بالترمومتر ولكننا في علم النفس نقيس سلوك الطفل بالمقارنة بسلوك الآخرين من الأطفال المشابهين في العمر ومرحلة الدراسة والبيئة والتقاليد والدين واللغة ولذلك يكون المعياران مختلفين في التناول وإن كانا متساويين في الأهمية.
هذه الأسباب كثيرة ومعقدة وقد تكون خارج اهتمام هذا البحث ولكن ما يستحق الذكر اضطرابات المكونات الوراثية (الجينات) والأمراض التي تصيب الأم وتؤثر على الطفل في الرحم ـ عناصر الشخصية والجهاز العصبي والغدد الصماء وتؤدي مضاعفات الصرع والتخلف والاضطرابات السلوكية الناتجة عن خلل في المراكز العليا للمخ.
هذه الأسباب تكتسب أهميتها الخاصة في أنها تمثل مجموعة العناصر التي يمكن التحكم فيها بقدر كبير من الفعالية في مجال الوقاية في نشأة الطفل النفسية والتي تضع الاهتمام ببيئة الطفل في أولويات الصحة النفسية العامة للفرد، إن الأسرة هي المجتمع الأول الذي ينمو فيه الطفل ويستمد منه القدرة على مواجهة الحياة في المستقبل.
إن أهمية دور الوالدين لا يحتاج الى توضيح ولكن ما يستحق المعالجة توقعات وتطلعات الوالدين من الطفل فلا ينبغي أن يكلف الطفل فوق طاقته كما لا ينبغي أن نعطيه أكثر من حاجته، ففترة الطفولة هي مرحلة تدرج لنقل المسؤولية من الأم الى الطفل ويجب أن تؤخذ كل الأسرة بعين الإعتبار في حالة دراسة مشكلة الطفل.
ونتيجة كراهية الطفل هي فقدان القدرة على حب الآخرين ،العداء للمجتمع،الجنوح الخروج على سلطان الأسرة وانعدام رقابة الضمير الإنساني وعدم الالتزام بتقاليد المجتمع.
إن الأمراض المعدية والحميات والإصابات والحوادث تؤثر في نمو الطفل بعد ولادته، منها ذو التأثير المباشر في إصابة الدماغ والسمع والبصر ومنها غير المباشر والناتج عن اضطرابات نتيجة أمراض القلب والرئة وصغر الوزن في الولادة والإصابات أثناء الولادة والولادة قبل الميعاد الطبيعي.
إن التفاعل داخل الأسرة والتعامل في المدرسة والخروج إلى المجتمع هي عوامل أساسية في نمو شخصية الطفل وصحته النفسية فالمربي يقوم مقام الأبوين لدى الأطفال وقسوته المتشددة أو مرونته المترددة قد تكون ذات أثر فعال في نجاح أو فشل الطفل في دراسته والاتجاه الحديث هو إجراء اختبارات الذكاء والتحصيل والقدرات العقلية للطفل في سن دخول المدرسة لتجديد القدرات الفكرية والطاقات الاستيعابية حتى يوضع الطفل في المكان المناسب لأن وضع الطفل المريض نفسياً أو عقلياً مع أطفال أصحاء يخلق له مشاكل نفسية ويؤثر بالمثل على المستوى الدراسي للآخرين كما أن التعامل بين المدرسة والأسرة من أهم العوامل في خلق طفل سوي متطلع للنجاح بيقظة وأمل ويجب أن تؤخذ في الإعتبار عوامل الغيرة بين الأطفال في المدرسة أو داخل المنزل لأنها أكثر مجالات الحساسية لدى الطفل في هذه السن المبكرة.
كما أن آثار الجيرة وتجمعات الأحياء تلعب دوراً مهماً في الصحة النفسية للطفل ولقد أثبتت التجارب أن بعض الأحياء في المدن يتميز عن بعضها بخلق جو من الفوضى والجنوح وروح العداء التي تؤثر على الأطفال وهذه الأماكن تكون بؤرة للانحراف ومصدر خوف للأطفال الأصحاء. إن بعض العائلات تربي أطفالها على نمط عدواني وتشجع العنف فيكثر عدد الأطفال المسببين للمشاكل لأنفسهم والآخرين.
ومجانية التعليم والإعانة الاجتماعية لا يعني أن يجد الشباب كل شئ في متناول يده وفي ما يريد ولا يعمل من أجل تحسين أوضاعه الثقافية والاجتماعية من خلال انخراطه في المسيرة التعليمية بدافعية فاعلة وفعالة ومؤثرة دون اللهاث وراء الكسب المادي السريع والمؤقت والمتوفر في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص ذات العائد المادي السريع والمستقبل العلمي غير المضمون.
لقد أثبتت المدرسة أن بعض ظواهر الانحرافات السلوكية مثل الهروب من المدرسة والتسبب واستنشاق البترول والشللية الضارة وسوء استعمال المواد البتر وكيميائية وتعاطي المنبهات والعقاقير المنشطة والمخدرة وقيادة السيارات والدراجات الخطرة في الطرقات العامة والانحرافات السلوكية وجنوح الأحداث كثيراً ما تكون نتيجة وليست سببا للعوامل التي ورد ذكرها ويتصدر قائمة هذه العوامل قضايا عدم الاستقرار الأسري المتمثل في مشاكل الطلاق والانفصال وتعدد الزوجات وضعف التنشئة والإعداد للزواج ومشاكل السكن والإنفاق العائلي والتعليم لأفراد الأسرة وحقوق المرأة العاملة ومشاكل حضانة الأطفال وكل عمل في هذا الاتجاه سوف يساعد على وقاية الأسرة من الاضطرابات النفسية في مرحلة مبكرة عن طريق توعية الأمهات وتدريب الآباء على وظيفتهم التربوية في نشأة الأطفال.
إن المدرسة مؤسسة اجتماعية أوجدها المجتمع لسد حاجات أفراده بممارسة الحق المشروع في النمو التربوي للنشئ في مرحلة زمنية معينة عن طريق التأثير المعني والانضباط المدروس والسلوك المنظم لهؤلاء النشئ فالمدرسة بهذا المقياس وحدة من الوحدات الاجتماعية التي تعمل في هذا المجتمع لتحقيق أهدافه التي تتمثل في الفلسفة الاجتماعية والاقتصادية التي تخططها الدولة وبذلك فإن المدرسة تستمد أهدافها من المجتمع ورغبته في تحقيق هذه الأهداف من خلال ما يسمى بالأهداف التربوية. وإن محاولة المجتمع تقسيم المراحل التعليمية بنظام المراحل فهذه إحدى الوسائل التربوية للوقاية النفسية بحيث تتنوع المرحلة الواحدة في الدراسة تبعا لمقتضيات معينة تحددها فلسفة المجتمع فالمدرسة الأكاديمية والتجارية والمهنية حلقات متماسكة تعمل على إتاحة الفرصة لأكبر قدر ممكن من القدرات الخاصة والمهارات الفردية لكي تنمو في إطار الأهداف التربوية العامة ولا يستطيع علماء التربية العمل بمعزل عن علماء الصحة النفسية في ترجمة هذه الأهداف التربوية العامة والخاصة إلى أسلوب المعوقات السلوكية السليمة لأن المدرسة بجميع فئاتها الفنية والإدارية تمارس عملية تغيير سلوك النشء. فالعملية التربوية تشمل كل النواحي التي تعنى بها المدرسة ومن أهداف المدرسة في أبسط صورها:
إن دور المدرسة لم يعد قاصراً على اكتساب المعارف والتحصيل والمذاكرة كما أن دور المؤسسات التعليمية عامة تجاوز هذه الحدود الضيقة بالطفل كمواطن في المستقبل يهتم بشخصيته من جوانبها المختلفة من صحته العامة وتنمية ميوله واستعداداته وقدراته العقلية والمهنية ونزعاته وميوله الاجتماعية وتوطين علاقاته بغيره من خلال الوسائل الإنشائية في شغل وقت الفراغ بنشاطات مثمرة وهادفة والمدرسة تقوم على مرحلية التعليم حسب مراحل نمو النشء وكل مرحلة تخدم أهدافاً معينة تستمد خصائصها من مطالب نمو الناشئة حتى توفر لهم أكبر قدر ممكن من المعرفة بأقل جهد ممكن وفي أقل وقت مستطاع وأن تكون أهداف المرحلة خدمة للطالب لا أن يكون الطالب هدفاً لتحقيق البرامج التعليمية الموضوعة فالمحصلة النهائية يجب أن تكون إعداد طالب قادر على تحمل تبعات المسؤولية المستقبلية بكل ما فيها من تغيرات لا أن يكون ترساً في آلة تعليمية تدور على مدار السنة تبدأ بالتوقيت والدوام وتنتهي بعلامات ودرجات وأرقام في نهاية كل عام وهذه الفروق في السمات الفعلية والشخصية وأهميتها في التحصيل والتعليم ونجاح المدرسة في تحقيق الأهداف التربوية تخضع للتقويم المستمر والتغيير المناسب اعتماداً على أساليب القياس والتجريب والملاحظة والمقارنة، والمدرسة تحتاج لتحقيق وظيفتها كاملة إلى بعض أدوات القياس التشخيصي كالاختبارات التحصيلية واختبارات القدرات والاستعدادات واختبارات الميول المهنية واختبارات التكيف وغيرها… ومن طرق الوقاية النفسية ان يلجأ المدرس الى معالجة النتائج بطريقة تضفي عليها معنى واضحاً وتفسيراً معقولاً لسلوك الطالب والسلطات التعليمية تهدف الى تقييم أعمالها بدراسة اتجاهات المجتمع أزاء المدرسة أو اتجاهات الطلاب أزاءها أو دراسة نتيجة التعليم والتربية في المدرسة على سلوك الناشئة داخلها وخارجها ومن هنا جاءت فكرة القياس والتقويم بالنسبة للتلميذ أو الطالب من حيث أنه المسيطر على الموقف التعليمي والموجه له سواء بالنسبة المتعلم أو بالنسبة للمعلم من حيث أنه المسيطر على الموقف التعليمي والموجه له سواء بالنسبة للمرحلة التعليمية أو النظام التعليمي كله من حيث علاقته بالمجتمع وأهدافه الثابتة.
ودور المدرسة لا يقتصر على العملية التعليمية وانما في اساسها مؤسسة اجتماعية للإشراف على عملية التنشئة الإجتماعية وعليه ينبغي دراسة علاقة المتعلم بغيره من المتعلمين وعلاقة المتعلم بالمعلمين وعلاقة المتعلم بالتنظيم العام في المدرسة من حيث أنها الإطار الإجتماعي بما تحتويه من عناصر بشرية وما يوجد خارجها من تنظيمات اجتماعية اخرى ذلك أن دور المدرسة يعنى بإحداث التوافق الاجتماعي الصحيح داخل وخارج المؤسسة.